• عدد المراجعات :
  • 468
  • 11/26/2011
  • تاريخ :

التخطيط السياسي لمراسم الاحياء الحسيني

التخطيط السياسي لمراسم الاحياء الحسيني

لا يقتصر دور المأتم ومجمل مراسم الاحياء على مرحلة من حياة المسلمين دون اخرى ، وانما تنفتح آفاقه في الحاضر والمستقبل ليواصل عطاه ، يقول الإمام الراحل : ( وعلى طول التاريخ ‌كانت مجالس العزاء الحسيني هذه ، تنظيما ينتشر في انحاء البلاد الإسلامية كافة ) (1) .

والإمام الراحل حينما يؤكد على دور المأتم الدائم والمستمر في حياتنا الإسلامية ، فلأنه يؤمن : ( ان الإسلام هو الذي أرسى دعائم هذا البناء منذ البداية ) (2) ونحن بحاجة الى استنفاد الأبعاد الاجتماعية والسياسية للمأتم الحسيني وبقية الشعائر التي خطط لها أئمة أهل البيت ( عليه السلام ) منذ البداية ، لتكون مركزا لتحشيد المسلمين واستثارة طاقاتهم وتعبئتها ، لتحقيق أهداف الإسلام في كل مرحلة .

فالأصل في المأتم الحسيني ومراسم الاحياء الأخرى انه صادر عن تخطيط سياسي مستبصر بمقاصد الحياة الإسلامية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، يقول الإمام الراحل : ( ان الثواب الجزيل المذكور لسطرين من الدعاء ، لا يمكن إدراكه وهضمه ، الا بالتوفر على ادراك البعد السياسي لهذه الأدعية ، الكائن بالتوجه الى الله ، وتوجيه الناس جميعهم وسوقهم الى نقطة واحدة والبعد السياسي يتمثل ايضا بتحشيد الأمة باجمعها وسوقها نحو مقصد إسلامي واحد والهدف من مجالس العزاء ليس البكاء على سيد الشهداء واكتساب الاجر وحسب ، فمثل هذا الأجر والثواب موجودان ، بيد ان المهم هو الجنبة السياسية التي خطط لها ائمتنا في صدر الإسلام لتبقى الى النهاية ، والماثلة في الاجتماع تحت راية واحدة ، والالتفاف حول فكرة واحدة ) (3) .

( وعلى طول التاريخ ‌كانت مجالس العزاء الحسيني هذه ، تنظيما ينتشر في انحاء البلاد الإسلامية كافة )

وفي نص آخر يشير الإمام الى ان فلسفة المجالس الحسينية ، تكمن بالاضافة الى ما لها من ثواب آخروي ، بما لها من ( بعد سياسي واجتماعي ) (4) .

وما نبغي إبرازه من خلال التأكيد على التخطيط السياسي المصمم منذ البداية لمراسم الاحياء ، وانتهاء مشروعية هذه المراسم الى نصوص تشريعية واضحة وثابتة ، هو مواجهة بعض الاتجاهات الفكرية المستخدمة التي تعيد قراءة مراسم الاحياء العاشورائي ، وجوانب التحريك والتحشيد في الشعائر الإسلامية الاخرى ، من خلال تحليلات جاهزة ترمي فعل المسلمين وتفسره على اساس ايديولوجي سياسي محض (5) .

في الواقع ، ما تهدف اليه هذه التفسيرات هو نفي انتساب هذه الممارسات الى أساس ديني تشريعي ثابت ، والنظر إليها من منظار الظواهر الاجتماعية التي تمليها حاجات سياسية طارئة ، تنطلق من واقع المسلمين الحالي وحينئذ تمسي هذه الأفعال والشعائر ، ممارسات اجتماعية وسياسية وضعية لا تمت بصلة الى الدين ، وانما غاية ما هناك ، انه أضيفت عليها مشروعية دينية لدوافع سياسية تعزى هذه الاتجاهات في اغلبها ، الى المناهج الغربية التي تحدثت عن فلسفة الدين في أطار كون الأخير ظاهرة اجتماعية محضة لا تمت باية صلة الى السماء والوحي فالمجتمع هو الذي ينشي دينه ، وعلى هذا الأساس درس هؤلاء الذين كما يدرسون اية ظاهرة من الظواهر الاجتماعية الأخرى .

مثلا ، يصف الفرنسي المعروف مكسيم رودنسون الذي تستلهم منه الكتابات العربية المحدثة الكثير ، يصف الإسلام ( بانه آيديولوجيا تعبوية ، انها ايديولوجيا تسهل التهيئة الاجتماعية والسياسية ) (6) وقبل هذا تحدث ماكس فيبر التي الهمت قواعد منهجه الاجتماعي الكثير من أقلام أبناء المسلمين كون الأخيرة ظاهرة اجتماعية معرقلة للتحول الى العقلانية .

ثم جاءت شريحة من الباحثين من أبناء المسلمين ، استمدت هذه المناهج طبقتها بحذافيرها على السلوك الديني في المجتمعات الإسلامية وبعد انتصار الثورة الإسلامية اشتد حماس هؤلاء الباحثين لتفسير كل ظاهرة وموقف في العالم الإسلامي على أساس الفرضيات التي بلورتها تلك المناهج (7) .

فحين قاد الإسلام الثورة في إيران ، وامسك بزمام التغيير السياسي والاجتماعي انطلاقا من الدين ، وتحدث الفكر النهضوي للإمام الخميني عن الجوانب السياسية لمراسم الحج وعاشوراء وصلاة الجمعة والجماعات ، عاد اولئك الى فرضياتهم التي دفعت بها الخبرة الغربية ، الى الأروقة الأكاديمية ، وغذت بها عقول بعض الباحثين من ابنا المسلمين ، فأخذت تترى التحليلات التي تفسر الدين وظواهر السلوك الديني ، وفق مرادها ، وبما يقطع صلته بالسماء .

فبدلا من ان ينتبه هؤلاء للأصول التشريعية الثابتة لممارسات وشعائر إسلامية من قبيل الحج وصلاة الجمعة ومراسم عاشوراء ، وغيرها من الممارسات التي تنطوي على بعد تعبوي ، راحوا يرمون المسلمين وعلماهم بسيل من التهم التي جاءت تحت لافتة التفسير العلمي للظاهرة الدينية هذا احدهم يقطع ممارسات المسلمين التعبوية والاجتماعية في الحج والجمعة وعاشوراء ، عن اية صلة لها كما يزعم بالنصوص الشرعية التاسيسية ، وبالاجتهاد الفقهي ، ويفسرها على اساس دافع آيديولوجي يرفع شعار الدين زورا نواة الوعي الإسلامي المعاصر ولحمته ، والذي يهي للإسلام دورا سياسيا في تجييش الجماهير الكبرى ذات العدد الديموغرافي المتزايد بسرعة هائلة ) .

وفي تقييمه لجهد الإمام الخميني الديني في استنهاض المسلمين ، يفسر الحركة برمتها على أساس سياسي مفصول عن الدين تماما يقول : ( ولكن من المؤكد ان هدف تجييش الجماهير في هذه الحركات هو سياسي ، لا ديني ) ثم يبلغ به الامر الى رمي هذه الممارسات بالعلمانية ، بل ووصمها بانها اضخم مظاهر لعلمنة الدين اولئك الذين يستخدمون الإسلام من اجل انجاح ثورة اجتماعية او سياسية ) (8) .

والذي نؤكد عليه ازاء هذه التحليلات ، ان الإمام الخميني حين يتحدث عن أبعاد سياسية واجتماعية لشعائر الحسين ( عليه السلام ) فهو لا يفعل ذلك بدوافع سياسية محضة ، ولا يفصل بين مراسم الاحياء في عاشوراء وبين أصولها الدينية في العقيدة والتشريع فمراسم احياء ذكرى الحسين في عاشوراء ، كما مراسم الحج وصلاة الجمعة ، هي جميعا مفردات شرعها الإسلام ، وانما غابت عن المسلمين أبعادها السياسية والاجتماعية ، فجاء الإمام ، كونه رجل نهضة ، ليؤكد ضرورة بعث هذه الجهات وتنشيطها في الحياة الإسلامية ، وقدم فلسفتها الاجتماعية والسياسية والحركية عموما،على ضوء النصوص العقيدية والتشريعية التي تكتنفها .

من جهة ثانية ، لو كانت هذه الممارسات ، مجرد ظواهر اجتماعية ظهرت الان لحاجات سياسية طارئة ، فكيف نفسر نشؤها تاريخيا ودأب المسلمين على ديمومة التمسك بها والاستمرار عليها منذ قرون مديدة ؟ فهلا كان لتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تأثيره في ممارسة هذه المراسم ، أم ان السادة الباحثين ( طوال هذه القرون بحيث بقيت الممارسات التي تعبر عن تلك الأوضاع ثابتة ايضا .

اعداد : سيد مرتضى محمدي

القسم العربي – تبيان

المصادر:

1ـ قيام عاشوراء در كلام وپيام امام خمينى ( بالفارسية ) : 9 ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار امام خمينى ، الطبعة الثانية .

2ـ المصدر السابق .

3ـ المصدر السابق : 11 .

4ـ المصدر السابق : 8 .

5ـ بعنوان آخر مثال اطلعنا عليه يلاحظ: المثقف والمناضل في الإسلام المعاصر ، اعداد جيل كيبيل وبان ريشار ، دار السامي ، لندن 1994 ( الطبعة العربية ) ، فقرات : الخطبة في التشيع ، الخطبة في ايران الحديثة ، صلاة الجمعة في ظل الجمهورية الإسلامية ، الصفحات : 29 ، 31 ، 33 .

6ـ تجديد دور الإسلام في التطور السياسي والاجتماعي للشرق الاوسط : 37 ، بسام طيبي .

7ـ كمثال تراجع الدراسات المنهجية المنشورة في القسم الأول من كتاب : الدين في المجتمع العربي : 15 136 وأماكن أخرى ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 1990 .

8ـ مجلة الفكر العربي المعاصر : 128 ، 132 ، 135، حوار أجراه الفرنسي ايف لاكوست مع محمد آركون والنصوص في المتن لاركون .


كيف ما قبلته كأخيه الحسن ؟

تسابق الحسنين

إحياء الموتى بدعائه عليه السلام

قيام رسول الله صلي الله عليه واله وسلم لسقايته عليه السلام

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)