• عدد المراجعات :
  • 9938
  • 7/13/2013
  • تاريخ :

صورة اللون الفنية في القران الكريم

اللون

اللون من أهم العناصر التي تشكل الصورةالأدبية لما يشتمل عليه من شتى الدلالات الفنية، الدينية، النفسية،الاجتماعية الرمزية والأسطورية.

للون دوره الخاص في الصورة الفنية القرنية ،فاللون في القرن قد يدل على القدرة الإلهية والرحمة الربانيةوالجمال الإلهي الذي تبارز وتظاهر في الطبيعة وقد يرمز إلى الحياة أو الموتوالأمل أو الخيبة والكفر أو الإيمان، الهداية أو الضلالة والنشاط أو الحزنوالفرح.

إنّ التدقيق في الثار الأدبية يرشدنا إلى أن استخدام اللون في هذه الثارليس صدفة وليس لتنميق الكلام فحسب بل له ارتباط وثيق بجميع المستوياتالبنيوية والبلاغية والتعبيرية للنص الأدبي.

هذا والتصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرن. فهو يعبر بالصورة المحسةالمتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية وعن الطبيعة البشرية ثم يرتقىبالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة فإذاالمعنى الذهني هيئة أو حركة وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد وإذا النموذجالإنساني شاخص حي وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية.

ماهية اللون:

اللون هو ذلك التأثير الفيزيولوجي الناتج على شبكية العين …سواء كان ناتجاً عن المادة الصباغية الملونة أو عن الضوء الملون …فهو إحساس إذن وليس له وجود خارج الجهاز العصبي للكائنات الحية …ولكن المصورون والمشتغلون بالصباغة وعمال المطابع يقصدون بكلمة اللون المواد التى يستعملونها لمادة التلوين .

دلالة اللون:

لكل لون معنى نفسيا يتكون نتيجة لتأثيره الفيزيولوجي على الإنسان. يقال أنالوقت يمضي بسرعة تحت أشعة خضراء ويمضي ببطء تحت أشعة حمراء، فاللونالأخضر لون هادئ، ومريح للأعصاب مما يشعر بمرور الوقت ضعيفا وأما اللونالأحمر فمشهور بأنه لون مثير ومهيج ومقلق ويۆدي إلى الشعور بالملل مما يجعلالمرء يشعر بأن الوقت لا يمضي.

فيمكن القول أن الحالات النفسية والعاطفية قد تسبب عن ثار الألوان علىالإنسان، فالألوان مفرحة، مهدئة، مهيجة، محزنة، مشوشة، مقلقة، مۆملة، مخيبة.

هكذا العوامل الاجتماعية كالداب، السنن، التقاليد والعادات لها أثرها فياختيار وتفضيل اللون. فلبس السواد لون الحداد والحزن عند كل الشعوب كما أنالبياض ليس لون الفرح والسرور عند الجميع.

والبيئة الجغرافية والإقليمية أيضا لها اثر يذكر في اختيار اللون، لأن كلشعب يمكن أن يحبذ لونا ويستثمره وفقا لظروفه البيئية والجغرافية.

كلمة اللون:

إن كلمة اللون وردت في القرن الكريم تسع مرات. قد يهدف ذكرها تحديد ماهيةاللون كما في قوله تعالى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة:69).

فيما بقي من اليات التي ورد فيها لفظ اللون يقترن هذا اللفظ بكلمة (الاختلاف) أو كلمة (المختلف) ليدل أولا:ً على القدرة المطلقة الإلهية، وثانياً:على ما دُعي الإنسان إليه من التفكير والتبصر في حقائق الكون. هذا مايۆيده ذكر عبارة "الم تر أن الله.." أو عبارة "ومن ياته...." أو عبارة "إنفي ذلك ليات لقوم يسمعون...". في هذه اليات:

(وَمِنْ َيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لََيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم:22 .(

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (الزمر:21).

دلالات الألوان فى القرن الكريم:

الألوانفي القرن الكريم تحمل مدلولات رمزية و أهداف جمالية أو أخلاقية.

الأبيض.

من وجهة نظر فيزيائية، اللون الأبيض يحتوي على موجات الألوان كلها بمعنى أنالشيء الذي يعكس الموجات كلها إلى العين، يرى أسود.

ورد هذا اللون فى القرن أحد عشر مرة وهذا اللون، لون الطهارة والخلوصوالصفاء والنقاء والمحبة والخير والحق والعدالة.

هذا اللون يقابل السواد في كل دلالاته. إذن يمثل ويصور الأوصاف الايجابيةوالحالات المطلوبة والخصائص والمحمودة.

يتميزاللون الأبيض عن سائر الألوان في و وظيفته و طبيعته ، و رمزه و دلالته ،فهناك شبكة من العلاقات التي تربط بين هذا اللون و سلوك الإنسان ، قد استخدم القرن هذا اللون وحده في أكثر من موضع في سياقاليات القرانية ، أو استخدمه مقترنا مع اللون الأسود ، لما لهذين اللونينمن ارتباط شديد بين بعضهما ، فقد ذكر اللون الأبيض مفردا في سياق تحدي موسى عليه السلام لفرعون ، في أكثر من موضع ، حيث يطلب إليه إدخال يده في جيبهلتخرج بيضاء من غير سوء و هي تعتبر من المعجزات.

قال تعالى: (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (الشعراء:33).

وقال تعالى: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ َيَةً أُخْرَى) (طه: 22).

وقديكون اللون الأبيض ذا دلالة كبيرة ، إذ يستخدم في تصوير حالة من حالات العمى الذي يسببه الحزن و الكمد ، كما هو الحال في قصة يوسف (عليه السلام).

قال تعالى: (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (يوسف: 84).

و النصالقرني إذ يختار اللون الأبيض لتصوير الحالة التي أصابت العين ، إنما هوبسبب ما يحمله هذا اللون من دلالة على الصمت و السكون و الإحساس بالفراغ المرافق لحالة الحزن و كظم الغيظ ، و قد وصف الله تعالى خمرة أهل الجنةبالبياض أيضاً لما له من تأثير يبعث على المتعة و الجمال ، و لما يحملهاللون الأبيض من دلالة على الصفاء و النقاء

فقال تعالى: (بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (الصافات: 46).

الأسود:

السواد في الفيزياء بمعنى فقد اللون. أي كل شيء لا تبلغ منه موجات إلىالعين يرى أسود.

هذا اللون هو لون الظلام، الصمت، اليأس والخيبة والفناء ورمز الحزن والهموالموت والإخفاق وهو اللون الذي يمثل الظلم، الضلالة، الغضب، الإثم،الكفر، الشرك.

ورد هذا اللون فى القرن سبع مرات واللونالأسودقد ذكر مفردا أيضا في سياقالحديث عن كراهية أهل الجاهلية للأنثى ، قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل: 58).

فكأنكظم الغيظ و الحزن و الضيق يجعل النفس سوداوية ، وهذه السوداوية تلتمس فيالوجه. على أنللسواد دلالة خاصة في القرن عندما يتصف به أولئك المشركون ، فنهايتهم سوادالوجوه و مثواهم النار ، قال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر:60).

الأخضر:

اللون الأخضر هو لون الحياة والحركة والسرور لأنه يهدئ النفس ويسرها وهوتعبير عن الحياة والخصب والنماء والأمل والسلام والأمان والتفاۆل وهو لونالربيع، الطبيعة الحية، الحدائق، الأشجار، الأغصان والبراعم.

يعتبر الأخضر في الفكر الديني رمزا للخير والأيمان وأنه أكثر شيوعا فيالروايات العربية الإسلامية وقباب المساجد وأستار الكعبة وعمائم رجالالدين.

واللون الأخضر في الإسلام له دلالة خاصة تجعله مميزا عن باقي الألوان و مقدماعليها ، إذ هو من الألوان المحببة لأنه لون الجنة و لون الحياة و القيامة ،حيث ضرب الله مثل القيامة من اخضرار المزارع في الربيع بعد أن كانتكالموات ، وقد وعد المسلمون المتقون بالجنة ، حيث السندس و الإستبرق الأخضرو الظلال الخضر في كل أرجاء الجنة و جوانبها.

قد وردت لفظه الأخضر ثماني مرات في القرن الكريم. كلمة خضر استخدمت لبيانماهية وجمال ثياب ومجلس أهل الجنة، قال تعالى:)أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 31).

الأحمر:

اللون الأحمر لون القوة والحياة والحركة وأما عاطفيا فيعتبر اللون الأحمرلون الحب الملتهب والتفاۆل والقوة والشباب.

لم يرد ذكر هذا اللون سوى مرة واحدة فيسورة فاطر ، و ذلك في سياق تقريع الكافرين الذين كذبوا رسلهم ، و تذكيرهمبنعمة ربهم ، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر: 27).

الأزرق:

يعتبر اللون الأزرق لون الوقار والسكينة والهدوء والصداقة والحكمة والتفكيراللون الذي يشجع على التخيل الهادئ والتأمل الباطني ويخفف من حدة ثورةالغضب ويخفف من ضغط الدم ويهدئ التنفس ويرمز إلى الصدق والحكمة والخلودوالإخلاص

. وردهذا اللون مرة واحدة في سياق الحديث عن المتكبرين على دين الله ، قال تعالىجماليات اللون القرن الكريم. منقول بتصرف. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) (طه: 102).

و قداختلف في تفسير الية ، ففسرها بعضهم على أنهم يحشرون و عيونهم زرقاء والبعض الخر على أن وجوههم زرقاء.

إذن اللون الأزرق استخدم في صورة مخفية قرنية إلا أن هذا اللون لم يدل علىالخوف والوحشة إلا مع ما تركب معه من السواد.

 الأصفر:

يعتبر اللون الأصفر من أشد الألوان فرحا لأنه منير للغاية ومبهج. هذا اللونيمثل قمة التوهج والإشراق ويعد أكثر الألوان إضاءة ونورانية، لأنه لونالشمس ومصدر الضوء واهبة الحرارة والحياة والنشاط والسرور

ورد اللون الأصفر في القرن كريم خمس مرات، منها:

قوله تعالىجماليات اللون القرن الكريم. منقول بتصرف. قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة: 69).

ففي الية هذه، البقرة موصوفة باللون الأصفر تحديدا لماهية لونها والدلالةعلى جمال هذا اللون وتأثيره النفسي على الإنسان.وسرور الناظرين لا يتم إلا أن تقع أبصارهم على حيوية و نشاط و التماع في تلكالبقرة المطلوبة ، فاختيار الأصفر الفاقع هنا يزيد البقرة جمالاً ،و يبهجالناظر إليها.

في اليات الأربعة الباقية المذكور فيها هذا اللون لا نجد دلالة إلا ما يدلعلى المرض والموت والفناء، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الَْخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20).

إذن في الية صورة تمثيلية لنهاية الحياة وفناء لذائذها. شبهت ملاهي الحياةلذائذها باخضرار الأرض وخصوبتها بعد نزول أمطار غزيرة فلم تلبث الأرض أنتجف وتصير قاحلة ويتحطم زرعها اليابس. فالاصفرار في هذه الية يدل علىالذبول، الموت والاضمحلال وكل الصورة في خدمة هداية الناس وتوجيههم نحوالسعادة.

الصورة نفسها توظف في سورة الزمر مرة أخرى حتى تكون موعظة بليغة لأصحاب الفكر وأولي الألباب، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (الزمر: 21).

الية تدعو إلى التبصر والتفكير والاصفرار علامة القدرة الكاملة الإلهيةوالسنة الإلهية النافذة والجارية في الخلق التي تحكم بفناء كل شيء.

هناك تصوير خر تجسم وتجسد فيه حالات المكذبين في يوم القيامة. عندما تقوللهم الخزنة أذهبوا وسيروا إلى النار التي كنتم تجحدونها وتكذبون بها. ثمشبه الله تعالى شرر النار بالقصر في العظمة والتخويف ثم شبهه في لونهبالجمالات الصفر فقال: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) ( المرسلات:33،32) أي كأنه أينق صفر. فالصفرة وصف ورد تبيينا لشدة العذاب وتخويفا وتحذيرا للناس من التكذيب.

هناك صورة أخرى يعيب فيها سبحانه كافر النعمة، حيث يقول: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) ( الروم:51).

فـ (المصفر) في الية وصف لنبات دال على الفناء والعذاب كما يدل على قدرةالخالق سبحانه وتعالى الذي يجعل الخضرة والطراوة صفرا وذبولا.


بحوث تمهيدية حول القرآن الكريم

قراءة في دلالة الألفاظ القرآنية

العقل والعقلانية في القرآن الكريم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)