• عدد المراجعات :
  • 2158
  • 12/5/2010
  • تاريخ :

الشيعة في ألبانيا

البانيا

يعتبـر الشعب الألباني من اعرق شعوب منطقة البلقان حيث هاجر إليها من أواسط أوروبا في القرن العاشر قبل الميلاد، وقد قام الإغريق باحتلال المناطق الساحلية في القرن الثامن قبل الميلاد، ثم قام الرومان بغزو البلاد في القرن الثاني قبل الميلاد، لقد كانت البلاد مقسمة إلى إقطاعيات محتلة من قبل البيزنطيين، وفي القرن الخامس الميلادي هاجر السلاف من شمال أوروبا واحتلوا الإقطاعيات الألبانية الشمالية، واستمر حكم الإقطاعيات حتى قرر الألبان تأسيس أول دولة موحدة لهم في القرن الثاني عشر وخرجوا على الروم البيزنطيين واستمر الأمر هكذا حتى دخول الأتراك العثمانيون في القرن الرابع عشر الميلادي.

وهنا يختلف المؤرخون حيث أن الغالبية تؤكد انتشار الاسلام بعد الفتح العثماني ولكن الألبان انفسهم ينفون ذلك الأمر ويقولون أن الاسلام دخل البلاد قبل دخول الأتراك بخمسة قرون أي منذ الاحتلال العباسي لجزر الأرخبيل اليونانية وجزر صقلية وساردينيا في القرن التاسع الميلادي. حيث كانت ألبانيا لفترات زمنية طويلة تحت حكم الحاكم في جزيرة صقلية، ويدعون بان التشيع دخل هذه البلاد في نفس تلك الفترة بالذات ويستدلون على ذلك بوجود الكثير من السادة العلويين الألبان الذين يرجع نسبهم إلى الأمام موسى الكاظم (ع).

فإذا صح ذلك الأمر فمن الممكن أن يكون الاسلام قد انتشر على نطاق ضيق في ألبانيا قبل التعلق الكبير والمتميز بأهل البيت (ع) وسهولة انتشار التشيع بعد الفتح العثماني يرجح كفة الوجود الإسلامي العلوي قبل الوجود العثماني.

لقد انتشر التشيع في تلك البلاد كانتشار النار في الهشيم. حيث يشكل الشيعة اليوم 70% من عدد المسلمين في كل من ألبانيا، وكوسوفو، ومكدونيا، وجمهورية الجبل الأسود، وجنوب اليونان وجنوب بلغاريا (كل تلك المناطق اقتطعت من ألبانيا أبان الحرب العالمية الأولى) فضلاً عن الستة ملايين الباني مسلم في تركيا. أما الألبان في إيطاليا وعددهم يناهز الستة ملايين أيضاً فان غالبيتهم من المسيحيين. كما أن هناك حوالي ثلاثة ملايين الباني غالبيتهم من المسلمين يقطنون باقي الدول الأوروبية وفي الامريكيتين.

أما بالنسبة لعقائدهم فالقاطنون في منطقة البلقان يشكل المسلمون منهم 75% والمسيحيون 25%، ويشكل الشيعة 70% من المسلمين والسنة يشكلون 30% منهم. أما المسيحيون فهم من الكاثلوليك ومن الروم الارثذوكس.

أما بالنسبة لعقائد الشيعة، فهم شيعة اثنا عشرية ولكنهم يتبعون الطرق الصوفية كالبكداشية والرفاعية والخلوتية والسعيدية وغيرها، أما السنة فان غالبيتهم أو بالأحرى اجمعهم من الأحناف.

المفارقة الموجودة هنا هي أن أصحاب الطرق الصوفية التي تحسب ضمن الدائرة السنية في العالم العربي هي شيعية اثنا عشرية بالنسبة للألبان. فعلى سبيل المثال، أن أصحاب الطريقة الرفاعية والذين يشكلون حوالي الخمسة بالمئة من سكان البلاد نجد أنهم هم الذين قاموا بطباعة ونشر المجموعة الكاملة للمعصومين الأربعة عشر باللغة الألبانية. ولديهم مركز في جانبه حسينية وعند مدخله لوحة كبيرة كتب عليها دعاء الفرج.

أما بالنسبة للشيعة من أصحاب الطريقة البكداشية ففي مركزهم الرئيسي تتوسط القاعة الكبـرى صورة ضخمة وقديمة (عمرها حوالي 400 عام) لأهل الكساء كما أن هناك رسوما للمعصومين الأربعة عشر في قاعة المدخل الرئيسي، كما يوجد أيضاً في تلك القاعة صورة فوتوغرافية ضخمة لغيبة الأمام المهدي (عج) في سامراء!!!

المفارقة الأخرى هي أن حب أهل البيت عبارة عن عقيدة مشتركة بين جميع الألبان سواء كانوا شيعة أو سنة، وسواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.

فعلى سبيل المثال أن كمية من تراب قبـر العباس بن علي (ع) قد جلبت من كربلاء قبل عدة قرون إلى ألبانيا، ودفنت هذه الكمية من التراب في أعلى جبل قرب العاصمة تيرانا (تبعد ثلاث ساعات سفراً بالسيارة)، وسمي هذا الجبل باسم (عباس علي)، والألبان يقدسون ذلك الأثر تقديساً عظيماً، ويتوجه ما يقارب المئتي ألف منهم في كل سنة في يوم معين من شهر آب لزيارة ذلك الأثر للعباس (ع)، حيث يقدمون من كل مناطق البلقان وبالذات المرضى منهم وذوي العاهات أو أي مبتلى أو طالب حاجة، نراهم يتوجهون ويزورون ذلك الأثر طلباً للشفاء والفرج وإزالة الغمة وإجابة الدعاء، والغريب في هذه المسيرة انه فضلاً عن زيارة المسلمين من الشيعة والسنة يقوم آلاف المسيحيين بزيارة ذلك الأثر أيضاً، كما يشارك في هذه المسيرة اغلب رجالات الدولة بما فيهم رئيس الجمهورية الألبانية، ويشهد الناس بان معجزات قد حصلت بفضل الأمام العباس (ع) في الشفاء من الأمراض المستعصية وإجابة الدعاء ببـركات أهل البيت عليهم السلام.

كما يقوم المسلمون في هذا البلد من شيعة وسنة بإحياء مراسم العزاء في عاشوراء حيث يصومون لفترة عشرة أيام من أول محرم حتى العاشر منه وقسماً منهم يصوم اثني عشر يوماً حيث يلبسون السواد ويمتنعون من الغسل واستعمال الطيب ولا يقاربون زوجاتهم وذلك بهدف مشاركة أهل البيت عليهم السلام بمصائبهم.

ويشهد الألبان بان ذلك الحب والتعلق بآهل البيت عليهم السلام هو الذي حفظ إسلامهم خلال فترة الحكم الشيوعي مع الاضطهاد العظيم الذي تعرضوا له من قبل أنور خوجه الذي حكم البلاد لمدة أربعين عاماً. حيث قام خلالها بإلغاء المؤسسة الدينية وهدم حوالي (1700) مسجد و(200) حسينية ومدرسة دينية ولم يبق غير المسجد الرئيسي الذي حول إلى متحف فضلاً عن المركز الرئيسي للشيعة البكداشية مع الحسينية والذي حول إلى دار للعجزة وبعض المساجد والحسينيات التي حولت إلى مخازن ومستودعات.

كما قام بحرق كافة الكتب الدينية، وفي عام 1967 صدر قانون بتحريم الاعتقاد الديني وصدر قانون بالحكم بالحبس لمدة عشرين عاماً لكل من يمارس أي شعيرة دينية من إقامة الصلاة أو الصيام أو حيازه القرآن أو صور الأمام علي (ع)، وقد قابلنا الكثير من رجال الدين الذي قضوا عشرين عاماً في الحبس لمجرد حيازتهم للكتب الإسلامية أو القرآن، أو لمجرد رؤيتهم يؤدون الصلاة خلسة، وفوق كل ذلك قام أنور خوجة بقتل الآلاف من المسلمين الذين عارضوا وقاوموا توجهاته الإلحادية، فعلى سبيل المثال قتل ثمانية وعشرين رجلاً من عائلة الدكتور داوود جيكو أحد وجوه الشيعة الملتزمون في مدينة بـرزرن في كوسوفو، لأنهم جاهروا بالتزامهم بلاسلام وقاوموا توجهاته الإلحادية، فقام من بقي حيا منهم بالهرب إلى كوسوفو ومكدونيا وباقي الدول الأوروبية.

لقد بقي تعلق المسلمون بآهل البيت عليهم السلام حرقة في قلوبهم وثورة في أعماقهم، فما أن مات أنور خوجه حتى تفجرت بعد بضعة سنوات من موته ثورة عارمة قضت على الشيوعية بشكل مبـرم وأطلقت الحريات الدينية وأقامت نظاماً ديمقراطياً منذ عام 1991، وبعد عام 1991 قامت مجموعات من المسلمين في العالم العربي والإسلامي بالسعي لإعادة بناء المساجد، حيث أعيد بناء ما يقارب أل (300) مسجد وإقامة عشرة مدارس دينية فضلاً عن توفير المنح الدراسية للدراسة في السعودية وبلدان الخليج والأزهر وتركيا. ومع أهمية هذه المنجزات ولكن الخطورة تكمن في أن الكثير من هذه الجهات هي جهات سلفية وهابية معادية لأهل البيت عليهم السلام وتكفر أتباعهم، وقد بدت الشكوى واضحة من قبل المسلمين هناك، فحتى السنة كانوا يشكون لنا من الآثار السلبية التي تركتها الحركة الوهابية على وضع المسلمين في ألبانيا. حيث تعمقت الخلافات بين المسلمين هناك واخذ بعضهم يكفر بعضاً وقد شكا لنا المفتي السني العام صبـري كوجي من الآثار السلبية التي تركتها الحركة الوهابية على المسلمين في ألبانيا المقيمين بحب أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن الحركات الصوفية المتعددة في تلك البلاد، بل أن الخلافات بلغت درجة معاداة المذهب الحنفي وهو مذهب جميع السنة في البلاد، ولكن الأمر يكاد يخرج عن السيطرة، فمع الأعداد الكبيرة من المشايخ الذين تخرجوا من الجامعات السلفية ومع الأموال الضخمة التي تدفع للمدراس الدينية لترويج الأفكار السلفية الوهابية فضلاً عن الإمكانيات المادية الضعيفة لإتباع أهل البيت عليهم السلام حيث لا تتوفر لديهم القدرة على فتح المدارس الدينية، واقتصر جهدهم على إقامة صلاة الجمعة والجماعة في عدد ضئيل جداً من المساجد والحسينيات مع تلاوة خطب تعرف الناس بحقيقة الاسلام وبوجوب الالتزام الكامل بالعبادات وحقيقة دور أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن طباعة بعض الكتب عن الصلاة والصيام وعن تاريخ المعصومين الأربعة عشر، كما ترجم للغة الألبانية وطبع كل من كتاب نهج البلاغة والصحيفة السجادية وبعض كتب التيجاني السماوي.

ومع ذلك تبقى المشكلة قائمة بسبب عدم وجود أي مدرسة تدرس فكر أهل البيت وعقائدهم في بلد يشكل أتباع أهل البيت عليهم السلام اكثر من نصف سكان البلاد.

وإذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن دون تحرك سريع وفاعل، فان الذي يخشى هو أن تتحول البلاد إلى بلد وهابي معادي للمسلمين السنة والشيعة منهم على حد سواء.


مؤلف ثم اهتديت في تبيان 

مؤلف ثم اهتديت في تبيان

مؤلف ثم اهتديت في تبيان 

من هم الشيعة من خلال الروايات

مبدأ التشيع وتاريخ نشأته 

خلق الرسول(ص) و علي بن أبي طالب من نور واحد

الدعاء محجوب حتى يُصلّى على محمّد وآل محمّد 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)