• عدد المراجعات :
  • 1574
  • 5/28/2008
  • تاريخ :

 

 

حزب الله أحبط هجوما إسرائيليا على مطار بيروت
سيد حسن نصر الله

 

    

ما أن اندلعت الاشتباكات بين الموالاة والمعارضة في شوارع بيروت في 7 مايو ، إلا وظهرت مفاجأة من العيار الثقيل مفادها أنه لولا شبكة اتصالات حزب الله لنجحت إسرائيل في الهجوم الذي شنته على مطار بيروت في 28 إبريل الماضي ، وهو الأمر الذي أثار التساؤلات حول تصريحات وليد جنبلاط بشأن هذه الشبكة فيما بعد وهل كانت محض صدفة أم أن الأمر كان مدبرا وبتنسيق مع أمريكا للانتقام لفشل عملية الإنزال الإسرائيلية.

 

الكاتب البريطاني روبرت فيسك يبدو أنه فك طلاسم تلك التصريحات ، عندما كشف في مقال له نشرته صحيفة "الإندبندنت" بالتزامن مع اشتعال شوارع بيروت ، أن ما أعلنه وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي في 3 مايو من أن حزب الله قد ثبت كاميرات على مدرج 17 في مطار بيروت هو أمر صحيح ولكن حزب الله لم يزرعها للتنصت على اللبنانيين كما زعم جنبلاط وإنما قد قام بذلك لأنه يعتقد أن المدرج الذي لا يبعد عن البحر الأبيض المتوسط سوى بضعة أمتار يمكن استخدامه من قبل قوة إسرائيلية بحرية صغيرة.

وهنا كانت المفاجأة ، حيث أشار فيسك إلى انتشار شائعات قوية منذ فترة في بيروت بأن الإسرائيليين كانوا على وشك القيام بعملية إنزال جوية في يوم 28 إبريل 2008 في مطار بيروت لمهاجمة الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله، لكنها ألغيت لأسباب غامضة وقتها ، إلا أن السبب سرعان ما تكشف فيما بعد على لسان جنبلاط سواء كان عن قصد أو غير قصد ، وكان شبكة اتصالات حزب الله التي أحبطت الهجوم .

ويبدو أن هذا أيضا هو السبب الحقيقي الذي دفع الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله لإبداء رد فعل عنيف إزاء القرارات التي اتخذتها حكومة فؤاد السنيورة في 5 مايو بشأن إحالة شبكة اتصالات الحزب للقضاء وإقالة مدير أمن مطار بيروت ، فالأمر هنا بات لايحتمل أى مزايدة بالنسبة للحزب لأنه يتعلق بأمنه الداخلي أولا وأمن لبنان ثانيا ، وهذا ما عبر عنه صراحة نصر الله عندما أعلن في 8 مايو أن قرارات الحكومة تعتبر بمثابة إعلان حرب ، محذرا من أن حدة احتجاجات المعارضة في الشارع ستتصاعد إذا ما لم تلغ الحكومة تحقيقها في شبكة الاتصالات وتعيد العميد وفيق شقير إلى منصبه ، والعميد شقير هو مدير أمن مطار بيروت وهو مقرب من نبيه بري رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل والقيادي البارز في المعارضة وقررت الحكومة إنهاء تكليفه وإعادته للخدمة في الجيش على خلفية حديث جنبلاط.

 

تصريحات نارية

وكان جنبلاط قد جدد في 3 مايو 2008 هجومه على حزب الله, متهما إياه بمراقبة مطار بيروت الدولي, وقال في مؤتمر صحفي عقده بالمختارة جنوبي شرقي بيروت :" إن حزب الله زرع كاميرات في منطقة ملاصقة للمطار لمراقبة الوافدين إليه خاصة من قادة الأكثرية النيابية أو مسئولين أجانب. عناصر الحزب بزرعهم الكاميرات يستطيعون أن يقوموا بأي عمليات تخريبية ويراقبوا وصول شخصية لبنانية أو غير لبنانية وبهذه الطريقة يستطيعون أن يخطفوا أو يغتالوا على طريق المطار".

 

ولم تقف تصريحاته المستفزة لحزب الله عند هذا الحد ، بل إنه دعا أيضا إلى وقف الطيران الإيراني إلى بيروت وطرد السفير الإيراني، وبرر ذلك بأن هذا الطيران ينقل المال والسلاح للحركة الشيعية اللبنانية ، كما طالب بإ قالة رئيس جهاز أمن المطار ، قائلا :" لا قيمة للإجراءات التي تتخذ لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي يقضي بمنع دخول السلاح للبنان إذا كان رئيس جهاز أمن المطار وغالبية العناصر والضباط تابعين لحزب الله الذي لا يعترف بالدولة بل بدولة حزب الله".

انتقادات واتهامات

 

التصريحات تلك جلبت سيلا من الانتقادات الداخلية لزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي ، حيث نقلت صحيفة "السفير" عن النائب اللبناني اسماعيل سكرية قوله :" لم يأت موقف النائب وليد جنبلاط مفاجئا، إذ أنه ينطلق من رهانه على حصاد المشروع الأمريكي في المنطقة ولبنان الذي هو جزء منه ، وما تصريحاته تهدف إلا  لمحاصرة المقاومة والاستعجال بتطبيق القرار 1559 وبنده الأهم تسليم سلاح المقاومة، وبحجة إعادة بناء الدولة".

 

 الاتهامات تحاصر جنبلاط   

جنبلاط

 

وفي السياق ذاته ، وضع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو الحملة المسعورة على حزب الله في سياق استمرار الفريق الحاكم في نهجه الانقلابي على خيارات لبنان الوطنية، وفي طليعتها خيار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بطلب أمريكي، وتنفيذاً للقرار 1559.

وقال :" إن اختيار وليد جنبلاط وفريقه هذا التوقيت بالذات لإطلاق هذه الحملة إنما يهدف إلى تحريض المجتمع الدولي على المقاومة توطئة لمزيد من تدويل هذه الأزمة وهذه المرة من بوابة الأمن، بحيث تتولى قوات الطوارئ الدولية مهاماً أمنية في الداخل.

تجمع العلماء المسلمين هو الآخر أصدر بيانا قال فيه :" إن الهجوم السافر على المقاومة في لبنان يأتي في سياق الحملة الأمريكية على المقاومة في كل منطقتنا، سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان، وبالتالي فإن الذين يتعرضون للمقاومة اليوم، لا يقومون بذلك انطلاقا من الخلافات السياسية الداخلية، بل هم ينفذون خطة صهيو ـ أمريكية، تريد إضعاف المقاومة من جهة وتوريط الجيش في مواجهتها كي تضعفه أيضا وتعيد تنظيمه ضمن استراتيجية قتالية مختلفة".

وأضاف رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن في هذا الصدد أن الطريق المسدود الذي وصلت إليه قوى 14 آذار، وسقوط معظم الأوراق السياسية التي تمتلكها، دفعها إلى الاصطياد بالمياه العكرة الأمنية والقضائية ، قائلا :" إن قراءتنا لتصريحات جنبلاط أنها تستهدف إرباك المعارضة، وإشغال المقاومة عن دورها الرافض والممانع لكل مشاريع الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وتحضير المطار سياسيا وعسكريا لحركة الوصاية الأمريكية ، وتحضير لبنان لقبول إقامة مطارات وقواعد عسكرية أمريكية لضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وتحضيرا لعدوان متوقع على سوريا وإيران".

أيضا النائب السابق جهاد الصمد أشار إلى أن جنبلاط يدفع البلد نحو الهاوية من خلال افتعال مشكلات تؤدي إلى انفجار الاحتقان، وأن هدفه المباشر هو تدويل أزمة لبنان وتساءل :" لمصلحة من هذا التصعيد الذي أطاح كل الأجواء الهادئة التي سادت خلال الأشهر الماضية؟".

وأضاف قائلا :" إن مطالبة جنبلاط بطرد السفير الإيراني من لبنان، رسالة موجهة إلى الإدارة الأمريكية أنه ملتزم مشروعها في المنطقة الذي يقوم على تحريض حلفائها العرب ضد إيران واعتبارها العدو وليس إسرائيل".

 

ومن جانبه ، حذر الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان من استمرار نهج التهجم على المقاومة ودورها في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب، لافتا إلى أنه بعد تأمل الشعب اللبناني خيرا بقرب حصول انفراجات بفعل مبادرة الحوار التي أطلقها الرئيس نبيه بري جاء التصعيد المفاجئ من قبل أحد أركان فريق الموالاة ترجمة فعلية لوعد ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية من أن صيف لبنان سيكون حارا وساخنا.

 

المحامي رجب شعلان ، رئيس جمعية "حقوقيون من أجل الإنسان " عقد أيضا مؤتمرا صحفيا في مكتبه في صور تناول فيه الحملة المبرمجة على حزب الله وسلاح المقاومة ، قائلا :" لم نفاجأ بالمؤتمر الصحفي الذي عقده زعيم من اقطاعيات لبنان مكيلا الاتهامات للحزب لأن هذا الزعيم كان أعلن قبل ذلك أن سوريا هي العدو الأساسي للبنان وأن إسرائيل (جارة)، يبدو أن هناك سيناريو جديدا يرتبط بتدخل خارجي أمني وعسكري يحضر له في واشنطن لمحاصرة حزب الله وهناك مقدمات لبنانية له يتولى جنبلاط الإعلان عنها ".

هزيمة ثانية للمشروع الأمريكي الصهيوني

وخلاصة ما سبق أن تصريحات جنبلاط لم تنطلق من مصلحة لبنان وإنما هى تأتي في سياق مخطط صهيوني أمريكي جديد ضد حزب الله والمقاومة ، ولعل إعلان واشنطن عن اعتزامها فرض عقوبات إضافية على حزب الله وسوريا لايخرج عن هذا التصور .

العلم

 حزب الله خرج منتصرا   

ومع ذلك ، فإن آراء المحللين تكاد تجمع أن جنبلاط خرج صفر اليدين من مغامرته الأخيرة ، فبعد ثلاثة أيام من الاشتباكات الدامية التي خلفت حوالي 18 قتيلا ، سيطر حزب الله على معظم أنحاء العاصمة بيروت ، ولم يكن أمام الأكثرية الحاكمة من خيار سوى التراجع  عن  قراراتها وإن كان بشكل غير مباشر  ، حيث جاء هذا عبر بوابة الجيش الذي أوكلت له مهمة التصرف في هذه القرارات ، وبالفعل أعاد الجيش العميد شقير لمنصبه وألغى قراري الحكومة ، وهو ما اعتبر ليس فقط بمثابة نصر كبير لحزب الله والمعارضة ، وإنما أيضا بمثابة رسالة إذلال لأمريكا ولجنبلاط والسنيورة والحريري.

فقد أكد روبرت فيسك في مقال آخر له بصحيفة الاندنبدنت في 10 مايو أن حزب الله اللبناني وجه رسالة "إذلال" إلى الولايات المتحدة ، بعدما أحكم سيطرته على معظم مناطق بيروت الغربية ، قائلا :" استيلاء المقاتلين الشيعة على مناطق عديدة في بيروت وهم يطلقون أبواق سياراتهم ويرسمون إشارة النصر وهم يستعرضون أسلحتهم ليعلنوا أن الحكومة المنتخبة قد خسرت المواجهة ، هو إذلال آخر للولايات المتحدة".

واستطرد يقول :" الولايات المتحدة قد خسرت المواجهة بدعمها للزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس كتلة المستقبل سعد الحريري ، حيث أنهما كانا قد حوصرا في منزليهما في بيروت واستيقظ أهالي بيروت الغربية صباح الجمعة الموافق 9 مايو ليروا مقاتلي حزب الله يجوبون الشوارع ويحاصرون منزلي أهم شخصيتين سياسيتين من الأغلبية الحاكمة في لبنان ، مما يشير إلى تحول كبير في ميزان القوى لصالح الحركة الشيعية ".

واختتم فيسك تعليقه على ما حدث في لبنان خلال الفترة من 7 إلى 10 مايو ، بالقول إنه ليس حربا أهلية ولا انقلابا ، بل هو جزء من الحرب ضد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط .

ويبدو أن هناك كثيرون يتفقون مع ما ذهب إليه فيسك ، فرهان إسرائيل وأمريكا على جنبلاط منى بفشل ذريع ، كما أن رهان الأغلبية على تحرك واشنطن لنجدتها واجه هو الآخر خيبة أمل كبيرة ، حيث أن واشنطن لم تكن لتتورط في لبنان وهى مازالت غارقة في المستنقع العراقي ، بالإضافة إلى أن تجربة إسرائيل القاسية في حرب تموز 2006 ، مازالت ماثلة وبقوة في أذهان ساسة البيت الأبيض وبالتالي ليس من السهولة بمكان أن يكرروا الخطأ ذاته.

ويمكن القول ، إن الأحداث الأخيرة هى ثاني هزيمة في أقل من عامين  للمشروع الأمريكي الصهيوني (الشرق الأوسط الجديد ) وعلى يد حزب الله كالعادة ، ورب ضارة نافعة ، فتلك الأحداث رغم دمويتها ، إلا أنها قد تعجل بوضع نهاية للأزمة اللبنانية ، بعد أن تأكدت الأغلبية الحاكمة من خطأ الاعتماد على الاستقواء بالخارج للحصول على تنازلات في الداخل.

محيط - جهان مصطفى

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)